بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله
التقوى سبب كل خير
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه سيدنا وإمامنا ونبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم القيامة ، أما بعد :
فلشدة الحاجة إلى التقوى ولعظم شأنها ، ولكون كل واحد منا ، بل كل واحد من المسلمين في أشد الحاجة إلى التقوى والاستقامة عليها ، رأيت أن أكتب فيها كلمة موجزة عسى الله أن ينفع بها المسلمين فأقول :
كل من تدبر موارد التقوى في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام ، علم أنها سبب كل خير في الدنيا والآخرة . فأنت يا عبد الله إذا قرأت- كتاب ربك من أوله إلى آخره ، تجد التقوى رأس كل خير ، ومفتاح كل خير ، وسبب كل خير في الدنيا والآخرة ، وإنما تأتي المصائب والبلايا والمحن والعقوبات بسبب الإهمال أو الإخلال بالتقوى وإضاعتها ، أو إضاعة جزء منها ، فالتقوى هي سبب السعادة والنجاة وتفريج الكروب والعز والنصر في الدنيا والآخرة ، ولنذكر في هذا آيات من كتاب الله ، ترشد إلى ما ذكرنا ، من ذلك قوله جل وعلا : (( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ))
قال بعض السلف : هذه الآية أجمع آية في كتاب الله ، أو قال : من أجمع آية في كتاب الله ، وما ذاك إلا لأن الله رتب عليها خير الدنيا والآخرة ، فمن اتقى الله جعل له مخرجا من مضائق الدنيا ومضائق الآخرة ، والإنسان في أشد الحاجة ، بل في أشد الضرورة إلى الأسباب التي تخلصه من المضائق في الدنيا والآخرة ، ولكنه في الآخرة أشد حاجة وأعظم ضرورة ، وأعطكم الكربات وأعظم المضائق كربات يوم القيامة ، وشدائدها ، فمن اتقى الله في هذه الدار فرج الله عنه كربات يوم القيامة ، وفاز بالسعادة والنجاة في ذلك اليوم العظيم العصيب ، فمن وقع في كربة من الكربات فعليه أن يتقي الله في جميع الأمور ، حتى يفوز بالفرج والتيسير ، فالتقوى باب لتفريج كربة العسر وكربة الفقر وكربة الظلم وكربة الجهل وكربة السيئات والمعاصي وكربة الشرك والكفر إلى غير ذلك ، فدواء هذه الأمور وغيرها أن يتقي الله بترك الأمور التي حرمها الله ورسوله ، وبالتعلم والتفقه في الدين حتى يسلم من داء الجهل ، وبالحذر من المعاصي والسيئات حتى يسلم من عواقبها في الدنيا والآخرة ، فالسيئات لها عواقب في الدنيا من عقوبات قدرية ، أو عقوبات شرعية ، من الحدود والتعزيرات والقصاص ، ولها عقوبات في الآخرة ، أولها عذاب القبر ، ثم بعد الخروج من المقابر بعد البعث والنشور عقوبات وشدائد يوم القيامة ، ومن عقوباتها أيضا أن ، لإنسان يخف ميزانه بسبب إضاعة التقوى ويرجح ميزانه بسبب استقامته على التقوى ، ويعطى كتابه بيمينه إذا استقام على التقوى ، وبشماله إذا انحرف عن التقوى ، ويدعي إلى الجنة إذا استقام على التقوى ، ويساق إلى النار إذا ضيع التقوى ، وخالف التقوى ولا حول ولا قوة إلا بالله .
للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله نشرت بمجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، العدد الثاني ، السنة التاسعة ، ذو الحجة سنة 1396 هـ